حيات الشيخ احمد فتح الله الجامي
الأربعاء نوفمبر 24, 2010 6:39 pm
بســــــم الله الرحمن الرحيم
حياة الشيخ احمد الجامي
1- نشأته - حفظه الله تعالى - :
نشأ في أسرة شريفة نسيبة ، اشتهرت بالتقوى والصلاح والعلم إضافة إلى الشجاعة وإغاثة الملهوف . وكان جده الشيخ عبد الله جامي رحمه الله تعالى من العلماء البارزين في وقته ، وهكذا أجداده من الشيخ إسماعيل إلى الشيخ ملا جامي رحمهم الله تعالى ، أما والد شيخنا – فتح الله جامي – رحمه الله تعالى فقد انقطع عن تحصيل العلم بسبب ظروف الحرب العالمية الأولى ، حيث شارك في العديد من المعارك ضد الجيوش الروسية الغازية . وكان معروفاً بشجاعته وإقدامه ، ففي إحدى المعارك فر جميع المقاتلين الذين كانوا معه أمام الزحف الروسي ، ولم يبق إلا هو ورجل آخر في أرض المعركة ، ولكن هذا لم يلبث إلا أن انسحب وهو يقول لفتح الله جامي رحمه الله : ( والله ما انسحبت في عمري من أرض معركة تاركاً أي جندي خلفي يقاتل العدو إلا الآن ، وأنت غلبتني في المصابرة ) . وعندما بقي وحده رحمه الله تعالى رأى من الحكمة الانسحاب ليتحيز إلى فئة من المسلمين فانسحب ، وفي طريقة وجد امرأة من المسلمين تستغيث حتى لا تكون فريسة للروس ، نظر رحمه الله تعالى فوجد المنطقة قد خلت من سكانها تقريباً فارين من الزحف الروسي المنتشر في كل مكان ، وتمر قوافل المهاجرين بجانبها وليس فيهم من يغيثهالشدة ما هم فيه ، فوقف رحمه الله عندها ووجد أنه من الواجب عليه أن يغيثها ، فأردفها خلفه على فرسه حتى ألحقها بالمسلمين آمنة مطمئنة .
لهذا السبب ولكثرة الحروب حينها لم يتمكن رحمه الله تعالى أن يتابع دراسته في العلم الشريف كأجداده رحمهم الله تعالى ، ولكن كان حريصاً على أن يكون ولده – أعني فضيلة شيخنا حفظه الله – طالب علم ويسلك طريق العلماء ، فجعله عند من يعلمه العلم الشريف ، وهو الشيخ حق شوناس رحمه الله تعالى ولكن حال بينه وبين ذلك وفاته تاركاً له أيتاماً ، وكان شيخنا حفظه الله أكبرهم سناً إلا أنه لم يتجاوز من العمر ثماني سنوات . فتأخر حفظه الله تعالى عن تحصيل العلم بسبب ظروف اليتم وتربية أخيه محمد وأخواته .
2- طلبه للعلم - حفظه الله تعالى - :
لما تم له من العمر عشرون عاماً بدأ بتحصيل العلم بشكل جدي دائم ، وفي نفس الوقت بدأ بالسير والسلوك في مجاهدة النفس في الطريقة النقشبندية . ولكن لم يلبث حتى أصيب في أول مراحل سيره وتحصيله في شقيقه محمد حيث توفاه الله تعالى ، فصبر على ذلك وثبت ثبوت الجبال الراسيات في الصدمة والمصيبة ، وفوض أمره إلى الله تعالى .
وتابع سيره وسلوكه وتحصيله في طلب العلم ، وصار ينتقل من قرية إلى قريـة ، ومن مدينة إلى مدينة ، ومن دولة إلى أخرى ، وطلبه الوحيد البحث عن المكان الأنسب للسير والسلوك ، وعن الأستاذ التقي النقي لتحصيل العلم على يديه ، وأكرمه الله تعالى بذلك ، فجميع أساتذته من أهل التصوف الخالص .
فأخذ علم الفقه واللغة العربية عن الشيخ عبد الهادي العمري البوطي رحمه الله وهو مأذون في الطريقة النقشبندية . وتابع ذلك على يد الشيخ عبد الرحمن العمري البوطي رحمه الله وأخذ منه الكثير من العلوم الأخرى ، وكذلك أخذ العلوم عن الشيخ محمد ظاهر الملاز كردي فهو أستاذ أستاذه الشيخ عبد الرحمن العمري رحمهما الله تعالى .
وكان حفظه الله تعالى وهو في حالة طلب العلم له إشارات معهم ، فمرة كان مع بعضهم في ميدان كبير في فصل الربيع وقد ازدهرت الأرض ، فنظر إلى تلك الأعشاب النظيفة المهتزة ، وقال لأستاذه : يا سيدي إن قلب الإنسان نظيف وسليم كهذا المكان ، فإن حافظ عليه من الأغيار ولم يدخل إليه غير الله تعالى يبقى سليماً نظيفاً ، ولكن إذا دخلته الأغيار والدنيا والشيطان فإنهم يعبثون به ويدوسونه ويفسدونه ، وعندها يظلم القلب بعد البياض الناصع ، كما لو دخلت البهائم هذا الميدان وعبثت بالأعشاب وداستـها . فسر أستاذه وتعجب منه لهذه اللفتة الكريمة .
ومرة أخرى كان مع بعض أساتذته بين أشجار متنوعة ، فنظر إليها بنظراته الربانية وتفكر في أحوالها وأشكالها ، ثم قال لأستاذه : يا سيدي أنا أنظر إلى هذه الشجرة المقطوعة أطرافُها التي هي في غنى عنها ، كيف استوت واستقامت وعلت ، وأنظر إلى تلك الأشجار التي لم تقطع أطرافها كيف قصرت قامتها والتوت وبقيت مع الأرض ، وكذلك المؤمن إذا قطع علائقه من الدنيا وتعلق بالله تعالى فإنه يذهب مستقيماً إلى أعلى حيث يترقى . ففرح أستاذه لهذه الإشارة .
ومرة قال لأحدهم : كأنني أشعر بالخجل إذا قلت سبحان الله ، إذا كان معنى ذلك أنزه الله تعالى عن كل صفة ناقصة ، هل هناك نقص ؟ حاشاه من ذلك تعالى وتقدس.
كيف لا يكون هكذا وكان معروفاً بصمته الطويل ولا يتكلم إلا قليلاً وعند الحاجة وكان مشهوراً حفظه الله بقلة الطعام وكثرة الصيام وحبه الخلوات وكانت أكثر خلواته شهراً كاملاً ، وكان معروفاً عند جميع إخوانه بصمته الطويل ، حتى قال لي مرة أحد طلاب العلم من الجزيرة لما رأى الدرر ووصاياه الكثيرة حفظه الله ، قال : سبحان الله هذا الذي لا يتكلم إلا القليل القليل وكان معروفاً بعزلته ، كيف يتكلم بكل هذه الحكم والوصايا ؟ ثم قال ( إذا رأيتم المؤمن صموتاً فادنوا منه فإنه يلقِن الحكمة ) . كما ورد في الأثر .
وحين تلقيه العلوم من أستاذه الشيخ عبد الرحمن العمري البوطي رحمه الله في قرية شاوران ، حدث في شهر رمضان المبارك في ليلة العيد أن خرج من المسجد بعد صلاة العشاء لوحده وذهب إلى مقبرة القرية وهي في منطقة جبلية عالية مغطاة بأشجار عظيمة ، وهناك في المقبرة مزار للشيخ عبد الله الشاوري رحمه الله وهو أحد أجداد أستاذه الشيخ عبد الرحمن ، وكانت المقبرة مخيفةً لشدة الظلمة ولارتفاعها وبعدها عن القرية وكذلك المزار كان مخيفاً ، الناس لا يدخلونه في النهار فضلاً عن الليل ، ولما وصل إلى المزار وقف هناك وقال في نفسه لن أدخل المزار حتى أرى شيئاً ، فقال حفظه الله تعالى : عندها رأيت أموراً عجيبة ، فبعدها دخل المزار وعلى ضريح الشيخ صندوق خشبي فجلس شمالي الضريح وقضى ليلة العيد هناك حتى أذن الفجر ورجع إلى المسجد فصلى فيه الفجر .
وكان حفظه الله تعالى وهو في حال تنقله من مكان لآخر في طلب العلم ، معتمداً على الله تعالى ومتوكلاً عليه ، ولم يسأل ولو مرة واحدة عن أسباب العيش في المكان الذي يتوجه إليه هو وأهله ، وإنما يسأل دائماً كما مر معنا عن الأستاذ وأخلاقه وصدقه وسلوكه .
وكان يقول حفظه الله تعالى عن هذا الجانب :
( أخذت علومي من المتقين ، وتأدبت بآدابهم ، حتى أجازوني بالإجازات العلمية ، وهذا من فضل الله تعالى . لقد عشت مع المتقين وأخذت الطريق من الصادقين )
وأكرمه الله تعالى بعد ذلك بغزارة العلم ، وهو شافعي المذهب ، وإن توسعه في الفقه الحنفي لا يقل عنه في الفقه الشافعي ، وقد قرأ كتاب حاشية ابن عابدين أكثر من سبع مرات دراسة وتدريساً ، وتوسع في علمه حتى اشتهر بذلك ، وأصبحت دوائر الإفتاء في تركيا ترسل إليه الكثير من المسائل لحلها ، وهو بجانب هذا يشتغل بالطـريق .
ولقد بلغ من محبته للشرع الشريف الدرجات العالية ، فكان غيوراً على شرع الله تعالى ، وكل شيء أضحى رخيصاً عنده أمام الشرع ، حتى قال مرة : نحن لا ننحرف إن شاء الله تعالى ما حيينا عن شرع الله تعالى ، ولو كانت لي الآلاف من الأرواح لقدمتها روحاً بعد روح فداء لهذا الشرع . نحن لا ننحرف عن الشريعة من أجل أنفسنا ، فكيف ننحرف عنها من أجل الناس ؟ .
وقال أيضاً : الشريعة حبل الله النازل من السماء إلى الأرض وهو الطريق الوحيد للخلاص من الغرق في بحر الدنيا ، ومن ادعى طريقاً آخر لذلك ضل وأضل ، وسلوك هذا الطريق هو اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتباع من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو اتباع لشرع الله عز وجل
3- سلوكه في طريق القوم :
كما ذكرنا سابقاً ، أنه حفظه الله تعالى بدأ بالسير والسلوك عندما بدأ بطلب العلم الشريف ، أخذ الطريقة النقشبندية عن سيدي إبراهيم حقي رحمه الله تعالى ، ولازمه فترة طويلة من حياته ويقول حفظه الله تعالى : ( ربيت على يد الشيخ إبراهيم حقي رحمه الله تعالى ، وبقيت معه حتى آخر لحظة من حياته حيث غسلته وكفنته بيدي رحمه الله تعالى ) وبعد وفاته أخذ يبحث عن مرشد له ،
وامتد بحثه عن المرشد الجديد من الجزيرة إلى حدود استنبول ، وبقي سبعة عشر عاماً على هذا الحال .
وخلال هذه الأعوام كان مجاهداً لنفسه على طريقة الإمام الغزالي رحمه الله تعالى ، وكان يكثر من خلواته ، حتى تعرف على شيخه في الطريقة الشاذلية سيدي الشيخ عبد القادر عيسى الحلبي رحمه الله وحصل على نسخة من كتاب الشيخ رحمه الله – حقائق عن التصوف – إلا أنه تريث ولم يستعجل بالمبايعة ، وقال : إن هذا ديني لا أستعجل في أمره ، وبقي حفظه الله تعالى عاماً كاملاً ، يقرأ كتاب الحقائق ويستخير حتى أوقفه الله تعالى على حقيقة الطريق الشاذلي المبارك ، فأرسل إلى سيدنا الشيخ عبد القادر عيسى يستأذنه في المجيء إليه ، وإن خرج من الدنيا قبل لقائه فهو يُشهد الله تعالى أنه من أهل هذا الطريق ، وأذن له سيدنا الشيخ عبد القادر بالمجيء ، ودخل الطريقة ، وأدخله خلوة لمدة عشرة أيام ، ثم أذن له بالورد العام ، وبعد أعوام أعطاه الإذن بالورد العام والخاص ، وهو الآن خليفة الشيخ رحمه الله تعالى .
وله كلمات حول هذا الموضوع نأخذ بعضاً منها :
يقول حفظه الله تعالى : طوال هذه الأعوام بعد وفاة شيخي الأول ، وأنا أبحث عن المرشد كنت في معية سيدي الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله تعالى بروحانيته ، وكنت أرى الذي أراه ، ولكن ليس طلبي كشفاً ولا كرامة ، طلبي غير هذا ، حتى أكرمني الله تعالى بسيدنا الشيخ عبد القادر عيسى رحمه الله .
ويقول في موضع آخر : أول ما بدأت بالذكر ، ما تركت الاستمداد من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن سيدي الجيلاني ، وسيدي ابن مشيش ، وسيدي أبي الحسن الشاذلي رحمهم الله تعالى ، حتى فتح لي ما فتح .
ويقول كذلك : طريقة الإمام الغزالي رحمه الله تعالى سلوكي ، وطريقة الإمام الشاذلي رحمه الله تعالى مشربي ، فالأولى في الرياضات والثانية في الذكر .
ويقول حفظه الله تعالى : الناس اليوم في واد والطريق في واد آخر ، أين أهل الطريق من الخلوات ؟ والله إلى الآن ما شبعت من الخلوات ، ولا يمكن لي أن أتركها .
ويقول حفظه الله تعالى عن غرضه من الطريق : غرضي من الطريق العبودية لله عز وجل ، وأن أكون على قدم سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، الذي هو أحب الخلق إلي بعد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأن أكون على قدم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العبودية الذي يقول : ( لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ، ولكنه أخي وصاحبي وقد اتخذ الله صاحبكم خليلاً ) ( ) . غرضي من الطريق أن أسير هكذا ، ولكن لا بد من الخدمة ، ونرجو الله تعالى العون والمدد .
وهكذا تحلى حفظه الله تعالى زيادة على مواهبه الكثيرة بموهبة الفناء التام عن الناس والخلق جميعاً ، والفناء التام في الله وعبوديته وشرعه ، حتى قال : - من بين ما قال – لا توجد رابطة مع الشيخ في الطريقة الشاذلية بل رابطة مع رب الشيخ ، وهذه الموهبة العظيمة نشأت معه في أوائل سيره إلى الله تعالى ، ثم أعطي غزارة العلوم اللدنية ، ولذلك لما ظهر للإرشاد كان ظهوره وتأثيره على الخاص والعام في مدة وجيزة ، وفي جو الغربة والوحدة ، فكل من يقرأ كلامه أو يجالسه فيسمع منه يتحول بدون شعور منه إلى الاستفادة والاستماع اللذيذ . والتعجب منه سواء كان من أهل الطريق أو غيره ، وغير أهل الطريق يتعجبون أكثر لأنهم أبعد عن هذه العلوم من أهل الطريق ، وهذه العلوم عندهم أندر وأعز ، أما أهل الطريق فيتوقعون من مرشدهم علوماً وتأثيراً فيتحولون من الشك إلى اليقين ، ومن التردد إلى التسليم .
ومن مواهبه الكثيرة التمكين والصحو التام في جميع الأحوال ، وهذا الصحو التام المستمر لا يوجد إلا في كبار الكبار من السلف والوارّث السابقين .
ومن مواهبه حفظه الله تعالى فرط حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته وشرعه وسنته السنية ، وهو حفظه الله تعالى لا يتكلم عن الطريقة إلا في مضمار الشريعة والسنة ، حتى إن كثيراً ممن ليسوا من أهل الطريق يحتجون بوصاياه الكثيرة على المتصوفة الذين يفرقون بين الطريقة والشريعة ، ويحاجون بها بعض أهل الطرق الذي يهتمون بالطريقة أكثر من الشريعة والسنة .
ويقول حفظه الله تعالى في موضوع اختلاف بعض أهل الطرق : الدين واحد لا يتعدد ، والمؤمنون اختلفوا لاختلاف الأشخاص والأفهام والأهواء ، فلا بد من ترك الكل واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أمر ونهى .
هذا هو الدين الصحيح وليس هناك طرق للولاية إلا اتباع الرسول صلى الله عليه وسـلم . وهكذا جرد حفظه الله تعالى كل من ادعى شيئاً لنفسه ، وادعى طريقاً خاصاً به ليتفرد بالهيمنة على بعض الناس ، وبأنه هو الذي هداهم إلى الحق ، والله تعالى هو المهيمن الهادي .
ويقول حفظه الله تعالى في قدوته : من لم يقلد أسلافه لا يُعتمد عليه ، ومن لم تكن عنده حرمة المشايخ محفوظة في حال حياتهم وبعدها لا يعتمد عليه ، كيف يصلح أن يكون قدوة إذا لم يكن مقتدياً بأسلافه ؟ فنحن نقلد أسلافنا في الدين ، ولا نفكر في أنفسنا هذا هـو سلوكنا ، فأنا أقلد سيدي بديع الزمان النورسي رحمه الله تعالى ، وأقلد الإمام الغزالي رحمه الله ، وكذلك شيخي الأول رحمه الله سيدي إبراهيم حقي ، وسيدنا الشيخ عبد القادر عيسى رحمه الله تعالى . وإني التقيت بهذين الشيخين رحمهما الله ، وانتفعت بهما ، ورأيت كل واحد منهما موافقاً ، ولكن وجد من يحبهما من الناس قليل .
سأله بعضهم مرة فقال له : يا سيدي بمَ نلت الذي نلته ؟
فأجاب حفظه الله تعالى بقوله : بثلاثة أمور ، بالصدق وبالإخلاص ومحو الأنا ، وهذه من أصعب الأمور على النفس الأمارة بالسوء .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
حياة الشيخ احمد الجامي
1- نشأته - حفظه الله تعالى - :
نشأ في أسرة شريفة نسيبة ، اشتهرت بالتقوى والصلاح والعلم إضافة إلى الشجاعة وإغاثة الملهوف . وكان جده الشيخ عبد الله جامي رحمه الله تعالى من العلماء البارزين في وقته ، وهكذا أجداده من الشيخ إسماعيل إلى الشيخ ملا جامي رحمهم الله تعالى ، أما والد شيخنا – فتح الله جامي – رحمه الله تعالى فقد انقطع عن تحصيل العلم بسبب ظروف الحرب العالمية الأولى ، حيث شارك في العديد من المعارك ضد الجيوش الروسية الغازية . وكان معروفاً بشجاعته وإقدامه ، ففي إحدى المعارك فر جميع المقاتلين الذين كانوا معه أمام الزحف الروسي ، ولم يبق إلا هو ورجل آخر في أرض المعركة ، ولكن هذا لم يلبث إلا أن انسحب وهو يقول لفتح الله جامي رحمه الله : ( والله ما انسحبت في عمري من أرض معركة تاركاً أي جندي خلفي يقاتل العدو إلا الآن ، وأنت غلبتني في المصابرة ) . وعندما بقي وحده رحمه الله تعالى رأى من الحكمة الانسحاب ليتحيز إلى فئة من المسلمين فانسحب ، وفي طريقة وجد امرأة من المسلمين تستغيث حتى لا تكون فريسة للروس ، نظر رحمه الله تعالى فوجد المنطقة قد خلت من سكانها تقريباً فارين من الزحف الروسي المنتشر في كل مكان ، وتمر قوافل المهاجرين بجانبها وليس فيهم من يغيثهالشدة ما هم فيه ، فوقف رحمه الله عندها ووجد أنه من الواجب عليه أن يغيثها ، فأردفها خلفه على فرسه حتى ألحقها بالمسلمين آمنة مطمئنة .
لهذا السبب ولكثرة الحروب حينها لم يتمكن رحمه الله تعالى أن يتابع دراسته في العلم الشريف كأجداده رحمهم الله تعالى ، ولكن كان حريصاً على أن يكون ولده – أعني فضيلة شيخنا حفظه الله – طالب علم ويسلك طريق العلماء ، فجعله عند من يعلمه العلم الشريف ، وهو الشيخ حق شوناس رحمه الله تعالى ولكن حال بينه وبين ذلك وفاته تاركاً له أيتاماً ، وكان شيخنا حفظه الله أكبرهم سناً إلا أنه لم يتجاوز من العمر ثماني سنوات . فتأخر حفظه الله تعالى عن تحصيل العلم بسبب ظروف اليتم وتربية أخيه محمد وأخواته .
2- طلبه للعلم - حفظه الله تعالى - :
لما تم له من العمر عشرون عاماً بدأ بتحصيل العلم بشكل جدي دائم ، وفي نفس الوقت بدأ بالسير والسلوك في مجاهدة النفس في الطريقة النقشبندية . ولكن لم يلبث حتى أصيب في أول مراحل سيره وتحصيله في شقيقه محمد حيث توفاه الله تعالى ، فصبر على ذلك وثبت ثبوت الجبال الراسيات في الصدمة والمصيبة ، وفوض أمره إلى الله تعالى .
وتابع سيره وسلوكه وتحصيله في طلب العلم ، وصار ينتقل من قرية إلى قريـة ، ومن مدينة إلى مدينة ، ومن دولة إلى أخرى ، وطلبه الوحيد البحث عن المكان الأنسب للسير والسلوك ، وعن الأستاذ التقي النقي لتحصيل العلم على يديه ، وأكرمه الله تعالى بذلك ، فجميع أساتذته من أهل التصوف الخالص .
فأخذ علم الفقه واللغة العربية عن الشيخ عبد الهادي العمري البوطي رحمه الله وهو مأذون في الطريقة النقشبندية . وتابع ذلك على يد الشيخ عبد الرحمن العمري البوطي رحمه الله وأخذ منه الكثير من العلوم الأخرى ، وكذلك أخذ العلوم عن الشيخ محمد ظاهر الملاز كردي فهو أستاذ أستاذه الشيخ عبد الرحمن العمري رحمهما الله تعالى .
وكان حفظه الله تعالى وهو في حالة طلب العلم له إشارات معهم ، فمرة كان مع بعضهم في ميدان كبير في فصل الربيع وقد ازدهرت الأرض ، فنظر إلى تلك الأعشاب النظيفة المهتزة ، وقال لأستاذه : يا سيدي إن قلب الإنسان نظيف وسليم كهذا المكان ، فإن حافظ عليه من الأغيار ولم يدخل إليه غير الله تعالى يبقى سليماً نظيفاً ، ولكن إذا دخلته الأغيار والدنيا والشيطان فإنهم يعبثون به ويدوسونه ويفسدونه ، وعندها يظلم القلب بعد البياض الناصع ، كما لو دخلت البهائم هذا الميدان وعبثت بالأعشاب وداستـها . فسر أستاذه وتعجب منه لهذه اللفتة الكريمة .
ومرة أخرى كان مع بعض أساتذته بين أشجار متنوعة ، فنظر إليها بنظراته الربانية وتفكر في أحوالها وأشكالها ، ثم قال لأستاذه : يا سيدي أنا أنظر إلى هذه الشجرة المقطوعة أطرافُها التي هي في غنى عنها ، كيف استوت واستقامت وعلت ، وأنظر إلى تلك الأشجار التي لم تقطع أطرافها كيف قصرت قامتها والتوت وبقيت مع الأرض ، وكذلك المؤمن إذا قطع علائقه من الدنيا وتعلق بالله تعالى فإنه يذهب مستقيماً إلى أعلى حيث يترقى . ففرح أستاذه لهذه الإشارة .
ومرة قال لأحدهم : كأنني أشعر بالخجل إذا قلت سبحان الله ، إذا كان معنى ذلك أنزه الله تعالى عن كل صفة ناقصة ، هل هناك نقص ؟ حاشاه من ذلك تعالى وتقدس.
كيف لا يكون هكذا وكان معروفاً بصمته الطويل ولا يتكلم إلا قليلاً وعند الحاجة وكان مشهوراً حفظه الله بقلة الطعام وكثرة الصيام وحبه الخلوات وكانت أكثر خلواته شهراً كاملاً ، وكان معروفاً عند جميع إخوانه بصمته الطويل ، حتى قال لي مرة أحد طلاب العلم من الجزيرة لما رأى الدرر ووصاياه الكثيرة حفظه الله ، قال : سبحان الله هذا الذي لا يتكلم إلا القليل القليل وكان معروفاً بعزلته ، كيف يتكلم بكل هذه الحكم والوصايا ؟ ثم قال ( إذا رأيتم المؤمن صموتاً فادنوا منه فإنه يلقِن الحكمة ) . كما ورد في الأثر .
وحين تلقيه العلوم من أستاذه الشيخ عبد الرحمن العمري البوطي رحمه الله في قرية شاوران ، حدث في شهر رمضان المبارك في ليلة العيد أن خرج من المسجد بعد صلاة العشاء لوحده وذهب إلى مقبرة القرية وهي في منطقة جبلية عالية مغطاة بأشجار عظيمة ، وهناك في المقبرة مزار للشيخ عبد الله الشاوري رحمه الله وهو أحد أجداد أستاذه الشيخ عبد الرحمن ، وكانت المقبرة مخيفةً لشدة الظلمة ولارتفاعها وبعدها عن القرية وكذلك المزار كان مخيفاً ، الناس لا يدخلونه في النهار فضلاً عن الليل ، ولما وصل إلى المزار وقف هناك وقال في نفسه لن أدخل المزار حتى أرى شيئاً ، فقال حفظه الله تعالى : عندها رأيت أموراً عجيبة ، فبعدها دخل المزار وعلى ضريح الشيخ صندوق خشبي فجلس شمالي الضريح وقضى ليلة العيد هناك حتى أذن الفجر ورجع إلى المسجد فصلى فيه الفجر .
وكان حفظه الله تعالى وهو في حال تنقله من مكان لآخر في طلب العلم ، معتمداً على الله تعالى ومتوكلاً عليه ، ولم يسأل ولو مرة واحدة عن أسباب العيش في المكان الذي يتوجه إليه هو وأهله ، وإنما يسأل دائماً كما مر معنا عن الأستاذ وأخلاقه وصدقه وسلوكه .
وكان يقول حفظه الله تعالى عن هذا الجانب :
( أخذت علومي من المتقين ، وتأدبت بآدابهم ، حتى أجازوني بالإجازات العلمية ، وهذا من فضل الله تعالى . لقد عشت مع المتقين وأخذت الطريق من الصادقين )
وأكرمه الله تعالى بعد ذلك بغزارة العلم ، وهو شافعي المذهب ، وإن توسعه في الفقه الحنفي لا يقل عنه في الفقه الشافعي ، وقد قرأ كتاب حاشية ابن عابدين أكثر من سبع مرات دراسة وتدريساً ، وتوسع في علمه حتى اشتهر بذلك ، وأصبحت دوائر الإفتاء في تركيا ترسل إليه الكثير من المسائل لحلها ، وهو بجانب هذا يشتغل بالطـريق .
ولقد بلغ من محبته للشرع الشريف الدرجات العالية ، فكان غيوراً على شرع الله تعالى ، وكل شيء أضحى رخيصاً عنده أمام الشرع ، حتى قال مرة : نحن لا ننحرف إن شاء الله تعالى ما حيينا عن شرع الله تعالى ، ولو كانت لي الآلاف من الأرواح لقدمتها روحاً بعد روح فداء لهذا الشرع . نحن لا ننحرف عن الشريعة من أجل أنفسنا ، فكيف ننحرف عنها من أجل الناس ؟ .
وقال أيضاً : الشريعة حبل الله النازل من السماء إلى الأرض وهو الطريق الوحيد للخلاص من الغرق في بحر الدنيا ، ومن ادعى طريقاً آخر لذلك ضل وأضل ، وسلوك هذا الطريق هو اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتباع من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو اتباع لشرع الله عز وجل
3- سلوكه في طريق القوم :
كما ذكرنا سابقاً ، أنه حفظه الله تعالى بدأ بالسير والسلوك عندما بدأ بطلب العلم الشريف ، أخذ الطريقة النقشبندية عن سيدي إبراهيم حقي رحمه الله تعالى ، ولازمه فترة طويلة من حياته ويقول حفظه الله تعالى : ( ربيت على يد الشيخ إبراهيم حقي رحمه الله تعالى ، وبقيت معه حتى آخر لحظة من حياته حيث غسلته وكفنته بيدي رحمه الله تعالى ) وبعد وفاته أخذ يبحث عن مرشد له ،
وامتد بحثه عن المرشد الجديد من الجزيرة إلى حدود استنبول ، وبقي سبعة عشر عاماً على هذا الحال .
وخلال هذه الأعوام كان مجاهداً لنفسه على طريقة الإمام الغزالي رحمه الله تعالى ، وكان يكثر من خلواته ، حتى تعرف على شيخه في الطريقة الشاذلية سيدي الشيخ عبد القادر عيسى الحلبي رحمه الله وحصل على نسخة من كتاب الشيخ رحمه الله – حقائق عن التصوف – إلا أنه تريث ولم يستعجل بالمبايعة ، وقال : إن هذا ديني لا أستعجل في أمره ، وبقي حفظه الله تعالى عاماً كاملاً ، يقرأ كتاب الحقائق ويستخير حتى أوقفه الله تعالى على حقيقة الطريق الشاذلي المبارك ، فأرسل إلى سيدنا الشيخ عبد القادر عيسى يستأذنه في المجيء إليه ، وإن خرج من الدنيا قبل لقائه فهو يُشهد الله تعالى أنه من أهل هذا الطريق ، وأذن له سيدنا الشيخ عبد القادر بالمجيء ، ودخل الطريقة ، وأدخله خلوة لمدة عشرة أيام ، ثم أذن له بالورد العام ، وبعد أعوام أعطاه الإذن بالورد العام والخاص ، وهو الآن خليفة الشيخ رحمه الله تعالى .
وله كلمات حول هذا الموضوع نأخذ بعضاً منها :
يقول حفظه الله تعالى : طوال هذه الأعوام بعد وفاة شيخي الأول ، وأنا أبحث عن المرشد كنت في معية سيدي الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله تعالى بروحانيته ، وكنت أرى الذي أراه ، ولكن ليس طلبي كشفاً ولا كرامة ، طلبي غير هذا ، حتى أكرمني الله تعالى بسيدنا الشيخ عبد القادر عيسى رحمه الله .
ويقول في موضع آخر : أول ما بدأت بالذكر ، ما تركت الاستمداد من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن سيدي الجيلاني ، وسيدي ابن مشيش ، وسيدي أبي الحسن الشاذلي رحمهم الله تعالى ، حتى فتح لي ما فتح .
ويقول كذلك : طريقة الإمام الغزالي رحمه الله تعالى سلوكي ، وطريقة الإمام الشاذلي رحمه الله تعالى مشربي ، فالأولى في الرياضات والثانية في الذكر .
ويقول حفظه الله تعالى : الناس اليوم في واد والطريق في واد آخر ، أين أهل الطريق من الخلوات ؟ والله إلى الآن ما شبعت من الخلوات ، ولا يمكن لي أن أتركها .
ويقول حفظه الله تعالى عن غرضه من الطريق : غرضي من الطريق العبودية لله عز وجل ، وأن أكون على قدم سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، الذي هو أحب الخلق إلي بعد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأن أكون على قدم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العبودية الذي يقول : ( لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ، ولكنه أخي وصاحبي وقد اتخذ الله صاحبكم خليلاً ) ( ) . غرضي من الطريق أن أسير هكذا ، ولكن لا بد من الخدمة ، ونرجو الله تعالى العون والمدد .
وهكذا تحلى حفظه الله تعالى زيادة على مواهبه الكثيرة بموهبة الفناء التام عن الناس والخلق جميعاً ، والفناء التام في الله وعبوديته وشرعه ، حتى قال : - من بين ما قال – لا توجد رابطة مع الشيخ في الطريقة الشاذلية بل رابطة مع رب الشيخ ، وهذه الموهبة العظيمة نشأت معه في أوائل سيره إلى الله تعالى ، ثم أعطي غزارة العلوم اللدنية ، ولذلك لما ظهر للإرشاد كان ظهوره وتأثيره على الخاص والعام في مدة وجيزة ، وفي جو الغربة والوحدة ، فكل من يقرأ كلامه أو يجالسه فيسمع منه يتحول بدون شعور منه إلى الاستفادة والاستماع اللذيذ . والتعجب منه سواء كان من أهل الطريق أو غيره ، وغير أهل الطريق يتعجبون أكثر لأنهم أبعد عن هذه العلوم من أهل الطريق ، وهذه العلوم عندهم أندر وأعز ، أما أهل الطريق فيتوقعون من مرشدهم علوماً وتأثيراً فيتحولون من الشك إلى اليقين ، ومن التردد إلى التسليم .
ومن مواهبه الكثيرة التمكين والصحو التام في جميع الأحوال ، وهذا الصحو التام المستمر لا يوجد إلا في كبار الكبار من السلف والوارّث السابقين .
ومن مواهبه حفظه الله تعالى فرط حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته وشرعه وسنته السنية ، وهو حفظه الله تعالى لا يتكلم عن الطريقة إلا في مضمار الشريعة والسنة ، حتى إن كثيراً ممن ليسوا من أهل الطريق يحتجون بوصاياه الكثيرة على المتصوفة الذين يفرقون بين الطريقة والشريعة ، ويحاجون بها بعض أهل الطرق الذي يهتمون بالطريقة أكثر من الشريعة والسنة .
ويقول حفظه الله تعالى في موضوع اختلاف بعض أهل الطرق : الدين واحد لا يتعدد ، والمؤمنون اختلفوا لاختلاف الأشخاص والأفهام والأهواء ، فلا بد من ترك الكل واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أمر ونهى .
هذا هو الدين الصحيح وليس هناك طرق للولاية إلا اتباع الرسول صلى الله عليه وسـلم . وهكذا جرد حفظه الله تعالى كل من ادعى شيئاً لنفسه ، وادعى طريقاً خاصاً به ليتفرد بالهيمنة على بعض الناس ، وبأنه هو الذي هداهم إلى الحق ، والله تعالى هو المهيمن الهادي .
ويقول حفظه الله تعالى في قدوته : من لم يقلد أسلافه لا يُعتمد عليه ، ومن لم تكن عنده حرمة المشايخ محفوظة في حال حياتهم وبعدها لا يعتمد عليه ، كيف يصلح أن يكون قدوة إذا لم يكن مقتدياً بأسلافه ؟ فنحن نقلد أسلافنا في الدين ، ولا نفكر في أنفسنا هذا هـو سلوكنا ، فأنا أقلد سيدي بديع الزمان النورسي رحمه الله تعالى ، وأقلد الإمام الغزالي رحمه الله ، وكذلك شيخي الأول رحمه الله سيدي إبراهيم حقي ، وسيدنا الشيخ عبد القادر عيسى رحمه الله تعالى . وإني التقيت بهذين الشيخين رحمهما الله ، وانتفعت بهما ، ورأيت كل واحد منهما موافقاً ، ولكن وجد من يحبهما من الناس قليل .
سأله بعضهم مرة فقال له : يا سيدي بمَ نلت الذي نلته ؟
فأجاب حفظه الله تعالى بقوله : بثلاثة أمور ، بالصدق وبالإخلاص ومحو الأنا ، وهذه من أصعب الأمور على النفس الأمارة بالسوء .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
- حمودي.الشاذلي
- عدد المساهمات : 41
نقاط : 111
تاريخ التسجيل : 18/11/2010
رد: حيات الشيخ احمد فتح الله الجامي
الإثنين نوفمبر 29, 2010 8:35 pm
اللهم أحفظ سيدي و شيخي أحمد الجامي و أجزه عنا خير الجزاء
هوا و جميع مشايخ التصوف
وصلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم
مع تحيات {الـــشـــاذلــي}
هوا و جميع مشايخ التصوف
وصلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم
مع تحيات {الـــشـــاذلــي}
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى